الفصل الأول : قصة بدون اسم

627 20 0
                                    

حقوق الطبع والنشر 2018 كرم موريس خليل

____________________________________


عندما كانت الأندلس تحيا عصرها الذهبي العربي كانت مدنها تنعم بكل مظاهر الرفاهية ، فقد كان فيها الحدائق والمتنزهات العامة ، وكان هناك متنزه في وسط مدينة إِشبيليَة يقصده الناس للراحة والاستجمام لبضع ساعات تزيح عنهم بعض أتعاب اليوم.

وذات يوم دخل المتنزه فتى في العاشرة من عمره ، رغم انه ليس لديه أتعاب يوم ليستريح منها. دخله مهموماً وشارداً على غير عادة الأطفال الذين يجرون على الحدائق والأزهار ليلعبون مع أترابهم.

جلس هذا الولد على أريكة بإحدى جوانب المتنزه ، و نظر بحزن للأزهار وللطبيعة الجميلة وهو شارد الفكر.

لفت هذا الأمر انتباه احد الرجال كبار السن الذين يقضون بعض أوقاتهم في المتنزه ليقتلون به ملل شيخوختهم وفراغ حياتهم.

توجه نحو الصبي ذلك الرجل الأشيب الفتيّ الذي تظهر في ملامحه بعض الحيوية والضعف في نفس الوقت بسبب المرض وكان ممتلئ الوجه حزيناً.

جلس بجوار الصبي و سأله عن سبب حزنه فاخبره الفتى أن حبيبته تركته ، لأن أهلها فرقّوا بينهم وانتقلوا للإقامة في شارع آخر في الطرف الآخر من المدينة حتى لا يراها ثانيةً.

فقال له الرجل مهدئاً اياه :

- إن ذلك يحدث دائما ، وان ما يحدث معك اقل بكثير مما حدث مع ضياء الدين

فقال الصبي : ضياء الدين ؟ من هذا ؟

فروى له العجوز قصة ضياء الدين حيث قال :

- انه كان يحب فتاة اسمها "فتون" تقابل معها في السوق ، حيث كان هو يبيع وهي تشتري ، و كانت جميلة جدا فأعجب بجمالها ، وهو كان جميلا جدا ، فأعجبت هي أيضا بجماله. وتواعدا وتقابلا أكثر من مرة في مدينة صور.

فعلم أبوها "زعفران" وحاول إبعاده عنها وحاول إبعادها عنه بأنه أرسل بعض رجاله يتلفون بضاعته ويضربونه في الميناء حيث كان يبيع ، و هو تحمّل ما حدث له و لم يبتعد عنها. بل تقدم لخطبتها فرفض أبوها لكثرة غناه و أن أموال تجارة "ضياء الدين " كانت قليلة إذا ما قورنت بأموال زعفران. فحسبه طامعا في أموالها.

فأصرّت البنت أن تتزوجه رغم رفض أبوها ، الذي ألحّت عليه كثيرا ليوافق. فسال أبوها عنه وعرف انه محتال ، واخبرها بالحقيقة وقال لها :

- إن "ضياء الدين" ليس اسمه هكذا ، بل هذا كان اسم صاحب المركب الذي غرق في البحر منذ عدة شهور وهذه المركب يمتلكها الآن هذا الشاب ويمتلك أيضا اسمه.

فرفضت فتون أن تصدق ، وواجهت حبيبها "ضياء الدين" بذلك عندما قابلته سرا. فأنكر "ضياء الدين" انه محتال ، واعترف بصحة بعض الحقائق ، لكن لم يفسر لها شيئا. غير انه اشترى هذه السفينة من صاحبها بأموال تجارته هو وأبيه قبل موت صاحب المركب ، لكنه أكد لها انه لم يحتل على احد ولم يسرق أحداً من قبل.

اسطورة العهود القديمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن